تاريخ شتيل: أربعة عقود من التغيير الاجتماعي

צוות שתיל

في سنة 1982، بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيسه، اتخذ الصندوق الجديد لإسرائيل قرارًا ساهم في تغيير الواقع: لتعزيز المجتمع المدني، لا يكفي تقديم المنح والإعانات التقليدية، يجب مرافقة ومساعدة المؤسسات والتنظيمات على تحقيق رسالتها.

 

حتى ذلك الحين، لم تكن تنشط في البلاد تقريبًا أي مؤسسات للمرافعة والمناصرة والاحتجاج، تنظيمات جماهيرية ومحلية، مؤسسات في المجتمع العربي، مؤسسات للنهوض بالحياة المشتركة ومؤسسة للحقوق والديمقراطية.

 

كيف تقام جمعية، وما العمل لضمان نجاحها وازدهارها؟ كيف تُجنّد الموارد؟ كيف نتنظم كمجتمع محلي لمواجهة المظالم الممارسة في الحي، المدينة أو الدولة؟ كيف تُترجم الاحتياجات الميدانية إلى مقترحات لتغيير السياسات؟ كيف نتحول من أشخاص يعانون من التمييز بسبب قوانين مجحفة إلى شركاء فعليين في سيرورات التشريع؟ ما دور الإعلام في التغيير الاجتماعي؟ كيف نوجّه نقدًا للحكومة وفي الوقت ذاته نتعاون معها؟ وكيف نغير علاقات القوة في المجتمع؟ هذه جميعها أسئلة واحتياجات يرتكز عليها المجتمع المدني في دولة ديمقراطية، وتتطلب ردودًا فورية مهنية ونوعية.

 

بدأ مركز شتيل بالعمل بعمق وبحماسة، بشكل مخطط وعفوي في آن واحد، على بلورة استراتيجية للتغيير الاجتماعي، استنادًا إلى المعرفة والخبرة المتوفرة على الساحة الدولية، وإلى الخبرة المحلية المتراكمة. يقوم مركز شتيل منذ ذلك الحين، أي مند نحو 40 عامًا، بتقديم الاستشارة للمؤسسات ومرافقتها وتدريبها؛ يحرص على وضع بنى تحتية من أجل المجتمع المدني، يشبّك بين المؤسسات واللاعبين.ات في مجال التغيير الاجتماعي، يبني قوة مشتركة ويرافق المؤسسات في سيرورات تغيير السياسات. يمكننا القول، بتواضع وبفخر في آن واحد، إنّ المجتمع المدني وحركة التغيير الاجتماعي في البلاد نَما وتطورا بفضل جهودنا الميدانية إلى حد كبير، وبفضل منح الصندوق الجديد لإسرائيل.

 

العقد الأول: العمل مع منظّمات أهلية

العقد الأول من عمر شتيل كان مكرّسا لزرع البذور وتنمية القوى الأولية. طوّر شتيل نشاطًا مميزًا ومتشعبًا في مرافقة ومساعدة مؤسسات الـ Grassroot، والتي يحمل اسمها معناها: مؤسسات تنمو من الأسفل، تنظيمات أشبه بعشب يضرب جذوره في الأرض، وتنشط على المستويين المحلي والجماهيري: في الجليل والنقب، في الأحياء والمدن.

 

ساهم شتيل أيضًا في ترسيخ مفهوم المرافعة والمناصرة كمفهوم تنظيمي جماهيري: بحيث عزز الدور المهم للمجتمع المدني في نقد الحكومة وتمثيل الرأي العام.

كان العقد الأول عقد النمو والتطوير: تطوير فكري، اصطلاحي ومفاهيمي، تطوير استراتيجيات شتيل المركزية، “ترجمة” آليات العمل من السياق العالمي إلى المحلي، تطوير وبناء المؤسسة، بما في ذلك إقامة فرع في حيفا، بالإضافة إلى فرع المؤسسة في القدس.

 

العقد الثاني: النضال من أجل القادمين الجدد، المجتمع البدوي وإقامة ائتلافات

تزامنت بداية العقد الثاني مع موجة الهجرة من دول الاتحاد السوفييتي سابقًا، والهجرة من إثيوبيا. قادَ بذلَ شتيل جهودًا حثيثة للتشبيك بين القادمين الجدد والمجتمع الإسرائيلي وساهم في بناء شراكات استراتيجية بين مجتمعات القادمين الجدد الذين لم يكونوا منكشفين على مجتمع مدني حر، وبين المؤسسات التي كانت ناشطة في الحقل.

 

كان لنا دور مهم في النضال من أجل العائلات من مجتمع القادمين من إثيوبيا، لمساعدتهم على مواجهة صعوبات الاستيعاب والاندماج، العنصرية وظروف الإسكان في مواقع الكارافانات. انطوت الهجرة الروسية على تحديات كثيرة خاصة في مجالات الإسكان، التعليم والتشغيل. رافق شتيل القادمين الجديد في مواجهتهم لصعوبات الاستيعاب والاندماج وفي عرض مطالبهم أمام الدولة والسلطات.

 

افتُتح فرع شتيل في الجنوب، تحديدًا في مدينة بئر السبع، في سنة 1994، حيث بادرَ لأنشطة مستمرة حتى يومنا هذا، ويرافق المجتمع البدوي وجميع سكان النقب في نضالهم من أجل نيل الاعتراف، تحقيق العدالة وإصلاح الظلم الممارس بحقهم.

 

تم أيضًا خلال هذا العقد تطوير وبناء عدة “ائتلافات” بقيادة شتيل: مجموعات عمل مشترك لمؤسسات ولاعبين من المجتمع المدني، وذلك بهدف التأثير على السياسات والتشريعات أمام الكنيست والحكومة. ائتلاف حرية المعلومات وائتلاف حقوق ضحايا الجرائم هما مثال على ذلك.

العقد الثالث: العمل في مدن مختلطة، في بلدات الضواحي ومع طلاب متدربين

في الألفية الثالثة، ازدهر شتيل على نحو بارز، وبادر لتطوير مشاريع، من روش بينا، مرورًا بباقة الغربية واللد، الأمر الذي أتاح له المجال للاقتراب من أرض الواقع، تلبية الاحتياجات وتوسيع نطاق أنشطته لتصل إلى المدن المختلطة وبلدات الضواحي.

أصبح شتيل خلال هذه السنوات جهة رائدة في ميدان التغيير الاجتماعي في البلاد، وأثّر على حياة العديد من الأشخاص، المجتمعات المحلية والمؤسسات في مختلف المجالات.

أقيم مركز تغيير السياسات في شتيل رسميًا كمركز للمرافقة والمناصرة وتأثير المجتمع المدني على مجال السياسات.

في عقده الثالث، بدأ  شتيل في إدارة برنامج زملاء إيبرت، برنامج المنح، ليشكّل لاحقًا حلقة وصل بين مئات الطلاب وعشرات مؤسسات التغيير الاجتماعي التي استفادت من التدريب العملي للزملاء. إيمانًا منّا بضرورة بناء قوى جديدة وتوجيه الشباب نحو النشاطية، شكّل  شتيل، منذ التسعينات وحتى الآن، دفيئة للطلاب في مجالات العمل الجماهيري، الاستشارة التنظيمية، علم الاجتماع والإعلام، ورافق الطلاب في سيرورات التدريب العملي. برنامج الزمالة واستثمار جهود حثيثة في تنمية جيل طلابي واع ومطّلع في المجال الاجتماعي-الجماهيري، ولّدا جيلًا من النشطاء والأخصائيين والأخصائيات الذين يتمتعون بدرجة عالية من الوعي الاجتماعي.

العقد الرابع: الاستدامة التنظيمية والآثار بعيدة المدى

إذا كان  شتيل قد سعى في عقده الثالث لإنشاء مئات المؤسسات الجديدة، لبناء مجتمع مدني مزدهر ونابض بالحياة- وقد نجح في ذلك بدون أدنى شك- ففي عقده الرابع وحتى يومنا هذا، باتت كلمة “أثر” اصطلاحًا رئيسيًا في المركز.

جودة البذور التي زرعت في حينه تقاس حاليًا بقدرتها على الإثمار: التأثير على السياسات، بناء مجتمع محلي، خلق تغيير والنمو باستمرار. دور شتيل تغير أيضًا، ويركّز حاليًا على مرافقة المؤسسات من أجل خلق تغيير جذري في الحقل، بناء استراتيجيات وإدارة شراكات، الإدارة السليمة للمشاريع وقياس وتقييم العائد الاجتماعي. انتهى عهد أدوات البقاء والصمود لتحل مكانه أنشطة تساهم في استدامة المؤسسة وأثرها على المدى البعيد.

بشّر الاحتجاج الاجتماعي في إسرائيل بالعقد الرابع: عقد من النشاطية، النهوض بالمجتمعات المحلية، التكنولوجيا، شبكات التواصل الاجتماعي والوسائل الرقمية، والعولمة والنزعة المحلية اللتان تتنافسان فيما بينهما على الصدارة.

انتهى العقد الرابع بجلبة جائحة كورونا، التي أثرت وما زالت تؤثر على العالم أجمع، ولكن أيضًا على جوانب اقتصادية ومادية في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام والمجتمع المدني بشكل خاص.

العلاقة بين اليهود والعرب في إسرائيل في سنة 2022 أكثر هشاشة من أي وقت مضى، التسوية السلمية مع الفلسطينيين لا تلوح في الأفق، الفجوات الاقتصادية آخذة في الاتساع والحيز الديمقراطي آخذ في التقلص.

يساعد  شتيل المؤسسات على مواجهة واقع تسوده حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار، على ضوء التحديات الحالية. وإلى جانب ذلك، يشجّع على المهنية، المرونة، الأمل والتجدد في إطار النظام العالمي الجديد الذي يؤثر أيضًا على مؤسسات التغيير الاجتماعي.

من يقف خلف سيرورة التغيير؟

خلال العقود الأربعة الماضية، قدّم  شتيل المساعدة والمرافقة لمئات المبادرات والمؤسسات ولآلاف الأشخاص: مديري ومديرات مؤسسات، مبادرين وناشطات، قادة وقائدات، مؤسّسي حركات، مؤسسات ومجتمعات محلية، شركات ناشئة لخدمة المصلحة الاجتماعية، وأشخاص حالمين وأصحاب رؤية.

على مدار السنوات الماضية، تلقّى هؤلاء الأشخاص الاستشارة، المرافقة والتأهيل من شتيل، شاركوا بشكل فعال في الائتلافات والمنتديات التي أقامها شتيل، وقام آخرون بتغيير سياسات والمبادرة لتشريعات. إنّهم مصدر تفاؤل وخير دليل على قدرة الإنسان على الإبداع والحلم وتحقيق التغيير المنشود.

العقد الخامس: مستمرون بكل قوتنا

المتداخلون في مجال التغيير الاجتماعي يعرفون أنّ السيرورة طويلة. ما بدأ قبل سنتين سينتهي بعد عشر سنوات، وما بدأ قبل عشرين سنة يحمل ثماره الآن. ما سيبدأ غدًا- سينضج فقط بعد ثلاث سنوات.

ما هي التحديات التي تواجه المجتمع المدني اليوم، وماذا ستكون التحديات خلال خمس أو عشر سنوات؟ من ستقيم الشركة الناشئة المقبلة لخدمة المجتمع؟ من سيحافظ على الديمقراطية في عصر التحريض والمعلومات الكاذبة؟ من سيوفر المأوى وسيحصّل الحقوق للاجئين والمهاجرين في عالم مليء بالعنصرية والحروب؟ أين ستطلق حملة -#metoo المقبلة؟ 

خلق التغيير يتطلب منا المخاطرة أحيانًا، أن نفعل شيئًا يبدو لنا مستحيًلا، ألّا نكفّ عن الإصرار، أن نحلم وأن نؤمن وربما أيضًا أن ندفع الثمن. أملنا هو أن نمد يد العون لجميع هؤلاء الحالمين: أن نتابع تطوير نشاطنا لتلبية الاحتياجات المتغيرة والمتجددة، أن ندعم قوى التغيير وأن نشكّل دفيئة وبيتًا على ضوء الاحتياجات المتزايدة في العالم الجديد قيد التكوّن.